المطرانية تاريخها والأساقفة

تاريخ مطرانية السريان الكاثوليك في حمص
إنّ الإيمان المسيحي في حمص أزهر منذ زمن الرسل، فهناك تقليد عريق يفيد بأنّ اثنين من تلاميذ مار بولس، كانا من سوريا، الأول وهو غايوس وينحدر من مدينة حمص والذي بحسب التقليد أصبح أسقفا لتسالونيكي والثاني أرسترخس ومسقط رأسه حماه والذي أصبح أسقفا على كرسي أفاميا، أمّا البابا الشهيد أنيسنت(+186) أسقف روما فترجع أصوله إلى مدينة حمص وهو ابن يوحنا الّسريانيّ.
وبحسب المراجع التاريخية، يُعتبر الأسقف كيرللس بشارة دبك، أوّل أسقف من حمص يتّحد مع الكرسي الرسولي في روما عام 1678، إبّان حبرية البابا إينوسنت الحادي عشر، بعد أن كان للإرساليات الكاثوليكية في الشرق أثرها اللاهوتي والأكاديمي والتنموي في الكنيسة الشرقية والمجتمع.
وبالتالي تأسست أبرشية حمص السريانية الكاثوليكية منذ منتصف القرن السابع عشر ومع بدايات القرن العشرين توّسعت الكنيسة الكاثوليكية في سوريا مع البطريرك اغناطيوس افرام الثاني رحماني، العلاّمة، الذي ترك بصمته المؤثّرة حتى يومنا هذا، وذلك عبر إنشاء وتأسيس معظم الرعايا في أبرشية حمص وحماه والنبك وتوابعها.
وشملت حمص وحماة ويبرود والنبك والقريتين وصدد وزيدل وحفر ومسكنة والجابرية وأبودالي
وتومين وفيروزة وقضاء بعلبك، وحوالي عام 1800 انضمتا مدينتا حماة والنبك إلى الأبرشية التي اتّخذت من الحميدية في حمص مقرّاً لها. هذا وتشرف المطرانية على ديرين هما دير مار يوليان الشيخ الناسك في القريتين، و دير مار موسى الحبشي قرب النبك.
وفي عام 1928 تُوّج مار ثيوفيلوس يوسف ربّاني راعياً للأبرشية، التي كانت تضمّ مؤمنين معظمهم من الفلاحين والفقراء، حتى أنّ مقرّ الأبرشية كان عبارة عن غرف قديمة وفقيرة.
إلاّ أنّ هذا الواقع لم يدم في عهد المطران ربّاني، الذي أراد أن يكون مقرّ الأبرشية في حمص الواجهة والوُجهة لكلّ من يقصد المدينة. فحمص القديمة، حيث مقرّ المطرانية هي مركز المحافظة، وتحتضن في أحيائها مقرّات الأبرشيات والأديار لمختلف الكنائس، متميّزة بهندساتها المعمارية الضخمة والأثرية والتاريخية.
من هنا حظيت فكرة إنشاء مقرّ للمطرانية يكون لائقاً، وكنيسة تحتضن أبنائها، بإنعام خاص ولفتة مميزة ودعم مادي ومعنوي من الكرسي الرسولي، على أن يُحتفل بالقداس الأول فيها بعد إتمام أعمال البناء على نية الأب الأقدس. و دُشّنت في العام 1935.
لماذا كُرّست الكاتدرائية للروح القدس؟
إنّ نائب يسوع على الأرض أي البابا يرغب قبل كلّ شيء بوحدة الكنيسة، لذا فإنّ أنوار الروح القدس ضرورية لعيش روح الوحدة. لهذا كُرّست الكاتدرائية للروح القدس. هذا المصطلح غير المستخدم في المنطقة جذب انتباه المنتمين الى الطقس السرياني الكاثوليكي، فتوّجهت الصلوات لاستدعاء الروح القدس البرقليط، المعزّي والمرشد الذي يقودنا لعيش حياة مسيحية حقّة.
وصف الكاتدرائية
إنّ أناقة هندسة الكاتدرائية المعمارية ورصانتها، جذبت سريعاً انتباه الزائرين. ولم تمنع ملامحها القوطية من المحافظة على متطلبات الليتورجيا السريانية وجاءت قياساتها متناغمة.
الحنيات مزيّنة بجدارية تمثّل حلول الروح القدس، أمّا قدس الأقداس فيضمّ المذبح الرئيسي من الرخام الأبيض تعلوه قبّة تدعمها أربعة أعمدة من الرخام الثمين، وفوق القبّة يرتفع الصليب.
المساحات الواسعة تميّز صحن الكنيسة مضفيةً بذلك عظمةً على الاحتفالات الليتورجية السريانية.
ثلاث حنايا تفصل الخورس عن قدس الأقداس ومنها تتفرّع ثلاثة أروقة. القبّة الرئيسية التي تعلو الكاتدرائية، ويرتفع فوقها صليب كبير، يمكن رؤيتها في أرجاء مدينة حمص، وتتميّز باثني عشرة قنطرة، تسمح للنور بالدخول إلى الكاتدرائية وترمز بذلك الى الرسل الاثني عشر الذين بشّروا بالمسيح نور العالم في المسكونة كلّها.
أمّا حجر البازلت الأسود الرمز التاريخي لمدينة حمص القديمة، فيميّز الطراز المعماري الخارجي لواجهة الكاتدرائية ومبنى المطرانية.

الأحداث الأليمة وتأثيرها
في ميلاد الرب يسوع العام 2010، تمّ تدشين كاتدرائية الروح القدس، بعد عشر سنوات من أعمال الترميم وما رافقها من تعب وعمل وصرف الأموال الطائلة من أموال المحسنين والمتبرعين، إلا ّ أنّ فرحة الانتهاء من تشييد تحفة فنية باتت أشبه بمزار للمارّة لم تكتمل. فبعد ثلاثة أشهر بدأت الحرب في سورية ودفعت الكنيسة ثمنًا كبيرًا: فبالإضافة إلى الخراب الذي طال الكاتدرائية، نال مبنى المطرانية الأثري الذي يدمج العراقة بالحداثة حصّته من الدمار، ومعه متحفه الصغير الذي يحمل تاريخ وتراث المطرانية.
وتسبّبت القذائف بتهدّم السطحين الجانبيّين للكنيسة وخمس فتحات في قبّة الكنيسة. كما تعرّضت الأيقونات والمقاعد الخشبيّة والشبابيك للحرق والتدمير والسرقة.
في العام 2014، وبعد تحرير حمص وإخلائها من المظاهر المسلحة ، عملت المطرانيّة على ترميم الكنيسة فأغلقت الفتحات الموجودة في القبّة وعملت على دهن الكنيسة، وتمّ إحضار المقاعد الخشبيّة الموجودة في دير مار اليان الشيخ في القريتين بريف حمص، ووضعها في كاتدرائية الروح القدس.
عمل مجلس كنائس الشرق الأوسط بالتعاون مع هيئة “الكنائس معًا” في هولندا، ضمن “صندوق ترميم وتأهيل المنشآت الكنسيّة والاجتماعية المتضرّرة جرّاء الأزمة في سورية”، على تغيير البلاط القديم والمتكسّر داخل الكنيسة وتركيب الأبواب الخشبيّة للكنيسة إضافةً إلى تركيب الطاقة الشمسيّة لإنارة المطرانيّة كاملةً إلى جانب إعادة ترميم غرف النشاطات في بناء المطرانيّة وترميم المصعد.
وفي سياق الحديث عن كنيسة الحجر، لامعنى للحجر بدون البشر ، بدون الإنسان المؤمن الأيقونة الحيّة لوجه الله على الأرض. فما قيمة الحجر أمام سقوط مئات الشهداء وتهجير الآلاف من حمص القديمة. ولكن رغم كلِّ ما حلَّ في المطرانية وحمص وكل سوريا، فالحياة مازالت تنبض وتُبَشّر بمستقبلٍ جميل، فالمسيح القائم من الموت هو رجاء كل المتألمين وهو يمنحنا الثبات في الإيمان رغم كل الحروب والمحن.