دير مار موسى

جغرافيّة دير موسى الحبشي و تاريخيه

يقع دير موسى الحبشي في واد وعر من وديان سلسلة جبال القلمون، ويرتفع بمقدار ١٣٢٠م عن سطح البحر.

هو دير سرياني قديم يبعد مسافة ثمانين كيلومترا عن دمشق باتجاه الشمال.ويبعد عن مدينة النبك حوالي ١٥ كيلومترًا باتجاه الشرق عن طريق العرقوب.

كان الانسان القديم يتجول في هذه المنطقة من اجل الصيد و الرعي ،بسبب وجود عدد من الخزانات الطبيعة لتجميع مياه الامطار.كما نجد في هذا الوادي آثار لبرج قديم،ربما بناه الرومان لمراقبة الطريق القديمة التي كانت تسلكها القوافل بين دمشق و تدمر.و قد تحول هذا البرج الى دير حين أتى الرهبان في القرن السادس الميلادي وسكنوا في المغاور.

تخبرنا رواية تقليدية عن سبب تسمية الدير باسم مار موسى الحبشي أن القديس (الولي) موسى كان ابنا لملك من ملوك الحبشة،أراد ابوه أن يزوجه و أن يعدّه لخلافته على العرش.فرفض موسى التاج الملكي و الأمجاد الدنيوية و تعازي الحياة الزوجية،وترك بلاده باحثا عن ملكوت الله .فهاجر إلى مصر و زار الأماكن المقدسة في فلسطين،ثم ترهّب في دير مار يعقوب بالقرب من قرية،شمالي النبك.إلا أنّه رغب بعد ذلك بمزيد من التوحد،فأتى الى وادي الدير و أقام في إحدى مغاوره متنكساً .وفي أثناء النزاعات المذهبيّة بين مسيحي ذلك العصر،استشهد الراهب الحبيس موسى على يد جنود الإمبراطور .ووصل خبر استشهاده الى الحبشة،فأتى رسول من قبل أهله ليأخذ جثمانه حتى يواريه الثرى في مسقط  رأسه . شق على أهل المنطقة أن يتخلوا عن رفاة قديسهم ,وعندما فتحوا القبر وجدوا إبهام يده اليمنى منفصلا عن جثمانه, وكانت تلك لهم علامة ربانية فاحتفظ الرهبان بإبهام يده اليمنى ذخيرة ليتباركوا منها, ولا تزال محفوظة حتى أيامنا هذه بكنيسة النبك السريانية.

كان الدير تابعاً للكنيسة السريانية الأنطاكية الأورثوذكسية . وتدل الكتابات العربية على جدران الدير على أن بناء الكنيسة الحالية يعود إلى سنة 450 للهجرة , أي الى سنة  1058 للميلاد .

في القرن الخامس عشر ,أعيد ترميم الدير وأضيف قسم جديد عليه .واستمرت الحياة الرهبانية فيه حتى عام 1831 ميلادي , حيث هجر آخر رهبان الدير المكان , وترك فارغاً وحوله الرعاة إلى ملجأ لهم ولمواشيهم…وبالرغم من خلو الدير من سكانه , ظل أهالي مدينة النبك يزورونه بتقوى وورع ،واوكلت شؤونه الى الرعية المحلية التي بذلت جهدا للحفاظ عليه .وبقي الدير وقفا كنسيا لمطرانية حمص و حماة و النبك للسريان الكاثوليك ،الى أن بدأت اعمال ترميمه في منتصف ثمانينات القرن العشرين ،بمساهمة الدولة السورية و الكنيسة المحلية و عدد من المتطوعين العرب و الأوروبيين .فتم ترميم مبنى الدير الاثري عام1994 ثمرة للتعاون بين الدولتين السورية و الإيطالية .بينما أعيد تأسيس جماعة رهبانية فيه عام 1991

كنيسة الدير و رسوماتها الجدارية

يعود تاريخ بناء كنيسة دير مار موسى الحبشي الى منتصف القرن الحادي عشر .وهي تتألف من قسمين:صحن الكنيسة و قدس الاقداس .يقسم صحن الكنيسة الى ثلاثة أورقة ،تفصل بينها أعمدة مربعة الشكل ،وتنير الرواق الأوسط نافذة كبيرة عالية نسبيا في الجدار الشرقي .أما قدس الاقداس فيضم الهيكل و الحنية (المحراب) ويفصله عن صحن الكنيسة حاجز قسمه السفلي من حجر والعلوي من خشب.تظهر على جدران الكنيسة المزينة بالرسومات /الفريسك/ ثلاث طبقات:الأولى تعود الى منتصف القرن الحادي عشر،الثانية الى نهاية القرن الحادي عشر,أما الطبقة الثالثة فتعود إلى مطلع القرن الثالث عشر,وهي الظاهرة الأكثر وضوحاً على الجدران وهي تعبر عن  الرؤية المسيحية في علاقة الانسان بالله في بعدي التاريخ المقدس ولحظة السر الدائمة.

ينطلق التعبير عن البعد الأول,بعد التاريخ المقدس,من صورة البشارة للعذراء مريم : الملاك جبرائيل(جبريل) من جهة اليسار,والسيدة العذراء مريم من جهة اليمين , والمسيح الكلمة (عمانوئيل) شمس البرفي الوسط من أعلى النافذة الشرقية. ونرى تحت النافذة يسوع المسيح (عيسى ابن مريم) مع الرسل (الحواريين) وكلاً من كتاب الإنجيل الأربعة. إنه يفتتح زمن الكنيسة التي تتغذى في كل حين من سر الهيكل وقدس أقداسه وهي تتسع وتتطور عبر مراحل الزمن في الرواق الرئيسي,حيث نجد صوراً للقديسين (الاولياء)والقديسات (الصديقات) مرسوم على الأعمدة وحنيات القناطر .فوق الأعمدة نجد ثانية الإنجيليين الأربعة وهم يدونون نصوصهم بحروف سريانية بإلهام من علو. كما نرى في أعلى الجدران بقايا صور لستة فرسان راكبين على أحصنتهم متجهين نحو الشرق,يمثلون الشهداء في جهادهم الروحي .

يعبر عن البعد الثاني ,وهو بعد الحضور الدائم للسر الخلاصي ,انطلاقاً من باب الهيكل ,فعلى الحاجز الحجري لقدس الأقداس رسمت العذارى العشر اللواتي نجد قصتهن في الإنجيل بحسب متى الرسول(الفصل 25),خمس حكيمات عن يمين باب الهيكل ,يحملن مصابيحهن مضاءة بإيمانهن ,وخمس جاهلات عن يسار باب الهيكل يحملن مصابيحهن مطفأة بأيسارهن.

لا تزال ترى في المحراب خلف المذبح (المائدة), بقايا صورة العذراء مريم المتضرعة,وابنها جالس في أحشائها يحيط بها آباء الكنيسة.

ونجد في القبة التي تعلو المحراب فوق المذبح ,بقايا صغيرة تدل على وجود صورة المسيح ابن الانسان مستوياً على عرشه تحيط به الملائكة ( الكوربون), بينما تقف والدته القديسة عن يمينه , ويوحنا المعمدان (يحيى ابن زكريا )عن يساره في داخل القوس الكبير يتشفعان لديه .

ينطلق التعبير عن البعد الثاني ,وهو بعد الحضور الدائم للسر الخلاصي ,انطلاقا من باب الهيكل ويندمج بعد التاريخ مع بعد السر في صورة يوم الدين, التي تغطي غالبية الجدار الغربي للرواق الأوسط في الكنيسة. لقد فقد القسم الأعلى للرسم ,ويبدو أنه كان يعبر عن المسيح الرب في مجده,وهو يعطي مفاتيح الملكوت للرسول بطرس ,الذي ظلت أجزاء منه مرئية من جهة اليمين,بينما يقف بولس الرسول من جهة اليسار .

نرى تحت النافذة الغربية رسماً للصليب مع رموز آلام المسيح ,أي المسامير وإكليل الشوك , والسلمين ,والصليب مرفوع على عرش, فرشه شرقي الطراز ,وعليه الكفن أيضاً,علامة على قيامة المسيح من بين الأموات. كما يجلس عن يمين العرش ويساره عشرة من الرسل بينهم الإنجيليين الأربعة, للقضاء.تنقسم الصورة بعد هذا المستوى الى قسمين :جماعة اهل اليمين في الجنة و جماعة اهل اليسار في النار .فمن جهة اليمين،تحت العرش،نجد ادم و حواء يدعوان لكل ابنائهما،بجوارهما العذراء مريم و إبراهيم و اسحق و يعقوب،وفي احضانهم المؤمنون و المؤمنات.

في المستوى التالي يظهر ملاكان ينفخان في بوق الساعة الصور وبجانبهما الأنبياء :موسى و إيليا (الياس)و داود مع سليمان ،ومعهم اباء الكنيسة .في اسفل الصورة من جانب المشكاة الأيمن (التي كانت تحوي ذخيرة القديس موسى الحبشي على ما يبدو)،نرى ملاك الشفاعة وهو يزيد من ثقل كغة الأعمال الحسنة للميزان,والقديس بطرس الرسول يفتح بمفتاحه الأبيض باب الجنة الصغير,ومنه يدخل الشهداء اسطفانوس ويعقوب وأربعة رهبان وثلاث راهبات.

من جهة اليسار،تحت اقدام الرسل يعاني عدد من الاحبار و الكهنة المسيحيين الام النار و هم يبكون المر والدم وفي المستوى الثاني تتعذب جماعات من الخطئة تنتمي الى قوميان و ديانات متعددة في مطر من الجمر.ويجلس في المستوى الثالث شيطان مخيف يضيق الخناق على شخص اثم،بجانبه رهبان و راهبات فاشلون ،وفي الأسفل شيطان ثاني لسانه احمر،يحاول ان يثقل كفة الميزان الايسر من جهة الاعمال السيئة.وخلفه أربعة اشخاص مكفنين كالمومياء و رموز خطاياهم مربوطة في رقابهم.فالاول تعبد للمال،والثاني جبار قاتل ،ولعل الثالث اقرض بالربا ،بينما غش الرابع بالميزان .في الصف الأخير مجموعة من الرجال و النساء الزناة مربوطين بسلسلة ،والافاعي تدخل أجسادهم من أبواب الحواس.وفي اسفل اللوحة رسمت مجموعة من الاشكال بما يشابه الرخام الملون ،وكأن ذلك يعبر عن تبلور العالم المادي في اليوم الأخير .

من الطبقة الثانية للرسومات ،يمكننا ذكر ما تبقى من سورة معمودية يسوع،وهي موجودة على الجدار الشرقي للرواق الشمالي خلف جرن المعمودية ،ويظهر عن اليمين احد الملائكة الخدام (الساجدين لادم الجديد)في هيئة رائعة.ويسارا،هناك صورة لمار سمعان العمودي.

ومن الطبقة الأولى للرسومات نجد مثلا صورة انخطاف النبي الياس على الجدار الجنوبي للرواق الأوسط فوق العمود الأول من الشرق.

لقد فقدت و باللاسف رسومات كثيرة في الفترة السابقة للترميم ،ولم يبقى لها من اثر غيربعض الصورالفوتوغرافية التي اخذت قبل تخريبها .قامت بترميم قسم من رسومات الكنيسة بعثة إيطالية سورية.

الأبعاد البيئية و الزراعية و الاجتماعية:

كان رهبان دير مار موسى وسكان المنطقة يعيشون في وضع بيئي قاسي ومتزن معا.لان الأنواع النباتية و الحيوانية تأقلمت مع حضور الانسان ونشاطه منذ الاف السنين.وساهمت نشاطات الانسان في تحسين الوضع البيئي بعض الشيء،خصوصا في جمع المياه و توزيعها من اجل الزراعة والرعي .وبدأ التوازن البيئي يتدهور بسرعة منذ القرن التاسع عشر،و ازدادت سرعة اختلال هذا التوازن في القرن العشرين،وبلغت حدا يهدد بخطر لا مفر منه.فقد اخذت منطقة النبك بالتصحر بشكل تدريجي،وظهرت اثار التلوث البيئي.لكن الوديان المجاورة للدير ظلت و الحمدلله محافظة على غطائها النباتي وأصبحت ملجأ للطيور و الحيوانات التي انقرضت في غيرها من المناطق.لكنها بدأت هي أيضا تعاني من اختلال التوازن البيئي المحيط بها.فازدياد الكثافة السكانية،ولجوء عدد من المغتربين من منطقة الخليج في أوائل التسعينات مع عودة النشاط الزراعي و الرعوي،جعل المسألة البيئية تطرح على انها من الأولويات على الصعيدين الاقتصادي و الاجتماعي.لذا ظهرت الحاجة الى وضع استراتيجيات و أساليب تعليم و إمكانات تعاون لتحسين الوضع البيئي.

تشمل جماعة دير مار موسى الحبشي،من الناحية الاجتماعية،رهبانا و راهبات و اشخاص يتشاركون حياتهم لفترات متفاوتة ،ومعاونين من موظفين و اشخاص ،وزوار و سواح.وهذه الجماعة لا تستطيع ان تقف مكتوفة الايدي امام التدهور البيئي الذي يمكنه ان يجرد وجود الدير من معانيه الثقافية و من قيمته كمكان للخبرة الروحية و التناغم مع المخلوقات.

فلا بد من المحافظة على البيئة و تفعيل إمكاناتها روحيا و جماليا و بيولوجيا و اجنماعيا و اقتصاديا.لذلك التزم دير مار موسى الحبشي في رعاية خصوصيات محيطه الطبيعي،لتحقيق نشاطات هدفها إعادة التوازن البيئي و تحسين الوضع نباتيا و حيوانيا،فقام بتجربة رعي الماعز،وهو الحيوان الوحيد الممكنة تربيته في هذا المحيط البيئي على ان يكون بأعداد محدودة و بتوجيه علمي.ويقوم الدير أيضا بزراعة الأشجار المثمرة المتأقلمة مع المناخ،ويحاول استخدام مياه الامطار على افضل وجه ،لذلك بدأ بمشروع بناء سد صغير في واديه.

لقد أدى هذا كله الى التضامن و التعاون مع مختلف الجهات المحلية،من مجلس مدينة النبك،ووزارات البيئة و الزراعة و الثقافة و السياحة.والرابطة المحلية للمزارعين والرعاة،و القائمين بالبحث العلمي و الجامعي.كما ازرت هذا المشروع مؤسسات دولية تهتم بالحفاظ على التنوع البيئي و التنمية.

يساهم الدير في تشكيل منطقة مخصصة لدراسة بيئة هذا الجبل الوعر وفي الحفاظ عليها وتوظيفها من اجل تطوير المشروع البيئي ليعود بالخير على المنطقة كلها.

من جهة أخرى اذ تؤسفنا استمرارية حركة الهجرة من المنطقة لأسباب اقتصادية،يقلقنا أيضا الازدياد المستمرلنسبة الهجرة الدائمة لدى الأقليات،وهو امر من شأنه ان يحرر المجتمع المحلي من التعددية الثقافية التقليدية البناءة,الامر الذي يعري الدير من محيطه الطبيعي ودوره التاريخي.فالتقليد القديم للتعايش الأهلي و التقدير الثقافي المتبادل في هذه المنطقة،يستحق بذل الجهد في سبيل الحفاظ عليه.لذلك يرغب الدير في مساعدة بعض الاسر الشابة في اختيار البقاء و العيش الكريم،من خلال التضامن معها في سبيل الحصول على بيت ملائم وإيجاد فرصة عمل.

لا شك أن الإمكانات المادية وحدها لا تكفي من اجل البقاء،لذلك يجب بذل الجهد من اجل توضيح الأسباب يكون في الطليعة مع المفكرين المحليين،من مسلمين و مسيحيين في العمل من اجل تطوير ثقافة الخصوصية المحلية و دورها،ضمن نطاق التعددية في الاثراء المتبادل و دينامية التكامل.

جماعة رهبانية مكرسة لخدمة التفاهم الأديان

وصل قادما من روما المستشرق الشاب باولو اليسوعي(الراهب بولص)الى دير مار موسى الحبشي في عام 1982،طالبا قضاء عشرة أيام فيه من اجل خلوة روحية. واكتشف اثناء خلوته هذه الثلاث أولويات وافقا.فبدأ على هذا الأساس بتنظيم عملية ترميم الدير في صيف عام1984،وذلك قبل سيامته الكهنوتية بحسب الطقس السرياني في دمشق. وقد تطوع الكثير من الشبيبة للمساهمة في اعمال الترميم و امضوا وقتهم بين الصلاة و العمل. استمر ذلك النشاط حتى صيف عام 1991 ،حيث بدأ الأب بولص بإعادة الحياة الرهبانية الى هذا القفر مع الشماس الحلبي يعقوب .

أن أولى الأولويات الثلاث في هذا التأسيس المجدد،هي استعادة اختبار المعنى المطلق للحياة الروحية في حياة الصلاة بتمام المجانية،حيث شكل هذا الدير السرياني القديم شهادة فعالة لقيمة الحياة الروحية في ماضي هذه الحياة الرهبانية النسكية كانت تشكل دائما عنصرا جوهريا من عناصر تكوين الشخصية الروحية المسيحية في الشرق.كذلك شكلت الحياة الرهبانية النسكية المسيحسة قيمة هامة في العالم الإسلامي ثقافيا و رمزيا و صوفيا.لذلك أرادت جماعة دير مار موسى الحبشي قبل كل شيء جماعة صمت و صلاة يتجليان في الحياة الشخصية للرهبان و الراهبات كما في حياتهم الاجتماعية.

اما الأولوية الثانية،فهي الحاجة الى خلق نوع من حياة رهبانية تعبر عن البساطة الانجيلية،التي يتجسد فيها سوية التناغم مع البيئة الطبيعية من جهة ،والمسؤولية تجاهها و تجاه المجتمع المحيط بها من جهة أخرى.مما يدعو اتلى إعادة اكتشاف قيمة العمل اليدوي مع قيمة الجسد و الأشياء ،في سبيل اظهار جمالية ملؤها الانصاف و المجانية.

فالأولوية الثالثة هي الضيافة فقد كان لممارسة الضيافة معنى مقدسا لدى الرهبان القدماء،بناء على قيمة اعتبرت ربانية في هذه المنطقة عبر العصور.

فالدير مكان لقاء لتعميق تقدير الخصوصيات الهويات الثقافية لا لنسيانها.وعلى هذا الأمر لا يتم في جو من تكريس الانغلاقات المذهبية ،بل ان يساهم في التحرر من المجتمع التقسيمات في سبيل بناء تدريجي لحضارة الشركة و التضامن.

لذا،فعلى الجماعة المسيحية في دير مار موسى الحبشي ان تعمل على تدعيم الوحدة المسكونية بين الكنائس ،وأن تجسد هذه الوحدة من دون ان ان تفقد أي شيء هام من من انتمائها السرياني ,ولا حتى الكاثوليكي.

اما الأفق فهو افق العلاقة الإسلامية المسيحية .لم تكن العلاقات بين المسلمين والنصارى سهلة دائما في ما مضى.وهي لا زال مؤلمة و صعبة  في أماكن عديدة من العالم.ان هذا الأفق جزء لا يتجزأ من الدعوة الروحية لرهبان دير مار موسى وراهباته.

فليس غريبا عن هذا الأفق اختيار اللغة العربية لغة الجماعة الرهبانية في حياتها الاجتماعية و التعبدية لذا فاننا نعمل على تعميق التعاون الثقافي و الديني.وقد أدى هذا الى انشاء مكتبة مختصة لخدمة الباحثين و المدرسين في ميدان الحوار بمساعدة عدد من الأصدقاء.ولا تقتصر مواضيع الكتب المقتناة على المجلات التقليدية في العلوم الدينية المسيحية او الإسلامية بل تشمل العلوم الإنسانية أيضا أي /العلوم الجسر/ ،وذلك في سبيل المزيد من الاستيعاب للظاهرة الدينية كعلم الانسان(أنتروبولوجيا)مثلا،و الفلسفة و علم النفس وعلم الاجتماع…الخ.

كما أولينا اهتماما خاصا لدراسة فكر الباحث الكبير في العلوم الإنسانية لويس ماسينيون،الذي يعد منبع الهام جماعة الدير،بسبب التزامه الفكري و أسلوب حياته كتلميذ للمسيح.

ترغب جماعة الدير من ان تتمكن من تنظيم المزيد من الندوات الدراسية،لتبادل الخبرات في ميدان خدمة التناغم الثقافي و الديني في المنطقة كما على نطاق أوسع.

وسرعان ما جعلت نشاطات الدير الكثيرة هذا المكان ضيقا.فاضطررنا ان نباشر في بناء المزيد من الغرف بأسلوب تقليدي من اجل الرهبان و الضيوف من الرجال في منطقة الصوامع القديمة شمالي الدير الاثري.كما نعمل على بناء جناح واسع للراهبات و الضيوف من النساء على ان نخصص الدير الاثري لاستقبال السواح و للنشاطات المشتركة.

نامل ان تتسع افاق الدير من خلال ارتباطات اخوية مع من يشاركنا اهتماماتنا و اولوياتنا في بلدان أخرى ،ولا سيما التي تكون أكثرية سكانها من المسلمين،وذلك من خلال تبادل الزيارات و الخبرات و استخدام شيكة الانترنت.

رجاؤنا ان يكف /الاخر/ عن تشكيل مدعاة للعدوانية و القلق و النزاعات و الحروب ، بل ان يتحول حضوره الى دافع يحث المؤمنين على ان يسبروا بحكمة لغز التباين و الاختلاف ، حتى نحصل على انطلاقة جديدة نحو تطورات قادرة على ان تولد حضارة مشتركة قواماها السلام ولاحترام العميق ،والتكامل الديناميكي بين الأشخاص و الجماعات.

وسيساعد هذا التطور الإيجابي في العلاقات على استيعاب و نشر بعض الإنجازات التي حققها المجتمع المدني العولمي المعاصر،كقيمة الضمير الشخصي و مكانته،واهمية تحرير المرأة،واحترام الحقوق الأساسية للأشخاص و الجماعات،وخصب التعددية الثقافية نفسها.

وهذا كله…دير في البرية.