تذكارات القديسيننشاطات المطرانية
14 شباط: تذكار القدّيس فالنتينوس

14 شباط: تذكار القدّيس فالنتينوس.
القديس الذي استقى من الينبوع الأول والأصليّ: يسوعُ المسيح، الذي من قلبه المطعون فاض حبُّ الله.
هو القديس الذي سُفك دمه لأجل إيمانه وحبًّا بالمسيح، هو إيطاليّ الأصل، غزير العلوم، مفعم بالفضائل الكهنوتيّة وشديد الغيرة على خلاص النّفوس. جال مبشّرًا الوثنيّين بيسوع ومحبّته اللّامحدودة، غير خائف من الاضطهاد، فشفى ابنة قاضي المدينة العمياء فآمنت ونالت سرّ العماد. هذا الأمر لم يُخفَ عن الملك الّذي قبض على فالنتينوس وأنزل به أشدّ العقوبات حتّى الاستشهاد سنة 268.
هو القديس الذي بات اسمه ملازماً لتعبير “الحب”، الذي تحوّل عن مفهومه الحقيقي بعد أن أخذ مظاهر اجتماعية وتجارية. فما معنى كلمة حب بجوهرها العميق؟ البابا بندكتس السادس عشر أوضح مفهوم الحب المسيحي في الرسالة العامة: الله محبّة”، التي أصدرها عام 2005، وفيها قال بأنّ: “الحبُّ يهدف إلى الأبديّة، هو خروج دائمٍ ينطلق من الأنا المغلق على ذاته إلى تحرّره بعطاءِ الذات، وهكذا بالتحديد نحو اكتشاف الذات، والأكثر من ذلك نحو اكتشاف الله، ويبلغ الإنسان حقّاً ذاته عندما تتوثّق أواصر الوحدة بين الجسد والنفس”.
ودعا إلى “التمييز بين حبٍّ شهوانيّ متملك وحبٍّ معطاء، يُضَاف إليهما أحياناً أيضاً الحبّ الذي لا يتوق إلاّ إلى مصلحته. واعتبر أنّه لا يستطيع الإنسان أن يحيا حصريّاً في الحبّ المعطاء، المتنازل، لا يستطيع دائماً العطاءَ فقط، بل يجب أيضاً أن يتقبّل. ومن يريد أن يهب الحبّ، عليه أيضاً أن يتقبّله كهبة. يمكن الإنسان حقّاً، كما يقول لنا السيّد، أن يصبح ينبوعاً تجري من جوفه أنهارُ ماءٍ حيٍّ (را يو 7: 37-38). لكن، كي يصبح الإنسانُ مثل هذا الينبوع، عليه أن يعود ويشرب دائماً من الينبوع الأول والأصليّ الذي هو يسوعُ المسيح، من القلب المطعون الذي منه فاض حبُّ الله (را يو 19: 34).”
وفي تأمل بتاريخ الخلاص وعلاقة الله بشعبه في الكتاب المقدس منذ العهد القديم، رأى البابا بندكتس في الرسالة العامة ” الله محبة”، أنّ “حبّ الله الشغوف بشعبه – بالإنسان – هو في الوقت عينه حبٌّ غافر. إنه عظيمٌ إلى حدِّ أنه يقلبُ الله على ذاته، يقلبُ حبَّه على عدله. يرى المسيحيُّ في ذلك، بشكل مستتر، بزوغَ سرِّ الصليب: لقد أحبّ الله هكذا الإنسان حتى إنه، إذ صار هو نفسه إنساناً، تبع الإنسان حتى الموت، وبهذه الطريقة صالح العدلَ والحبّ.”
ويضيف:” الحبَّ ليس فقط عاطفة. فالعواطف تأتي وتذهب. يمكن العاطفة أن تكون شرارةً رائعةً أوليّة، لكنها ليست كمالَ الحبّ”.
كما وتحدّث عن محبّة القريب، بالمعنى الذي حدّده الكتاب المقدّس على لسان يسوع:” فهي تقوم، على أن أحبَّ أيضاً، في الله ومع الله، الشخص الذي لا أقدِّره، أو حتى الذي لا أعرفه. ولن يمكن أن يتمّ ذلك إلاّ انطلاقاً من اللقاء الحميم مع الله، أنظر وأرى بعينَي المسيح فأستطيع أن أعطيَ الآخر أكثر بكثيرٍ من الأشياء التي يحتاج إليها خارجيّاً: يمكنني أن أهبه نظرة الحبّ التي يحتاج إليها. محبّة الله ومحبّة القريب لا يمكن فصلُهما، فهما وصيّة واحدة. إلاّ أنهما، كلاهما، يحييان من محبّة الله السبّاقة، الله الذي أحبّنا هو أولاً.
الحبُّ ينميه الحبُّ. الحبُّ «إلهيّ» لأنه ينبع من الله ويوّحدنا مع الله. ومن خلال مسيرة التوحيد هذه، يحوّلنا إلى “نحنُ”.
بشأن عمل المحبّة في الكنيسة، يدعو البابا الجمعيات والعاملين فيها ألاّ يستوحوا خدمتهم من مذهبيّات إصلاح العالم، بل أن يكونوا أشخاصاً أثار مشاعرَهم، قبل الكلّ، حبُّ المسيح، أشخاصاً استولى المسيحُ على قلبهم بحبّه، موقظاً فيه حبّ القريب. هذه الطريقة الحقّة في الخدمة تجعل من القائم بها متواضعاً. بأنه يعمل لا من منطلق تفوّق أو فعّالية شخصيّة أعظم، بل لأن الربَّ هو المعطي.
وأمام مآسي العالم، “مستحيلٌ على المؤمن أن يفكّر في أن الله عاجزٌ أو «نائم» (1مل 18: 27)، ما زال المسيحيّون يؤمنون بـ «لطف الله ومحبّته للبشر» (تي 3: 4)، ثابتين في اليقين بأن الله أبٌ يحبّنا، حتى وإن كنّا نعجز عن إدراك صمته.”
“إن الإيمان، الذي يعي حبَّ الله المتجلّي في قلب يسوعَ المطعونِ على الصليب، يبعث بدوره على الحبّ. الحبُّ ممكن، وبوسعنا أن نضعه موضع التنفيذ، لأنّا مخلوقون على صورة الله ، دعوتنا: أن نحيا الحبَّ ونشعَّ، بهذه الطريقة، نورَ الله على العالم.”