كلمة المطران مار يوليان يعقوب مراد في يوم التعليم المسيحي “حجاج الرجاء”

” قَد دعوتُكم احبَّائي ” (يوحنّا 11، 11).
إن قلبه المنفتح يسبقنا وينتظرنا دون قيد أو شرط، وبيسوع عرفْنا المحبة الَّتي يُظهِرُها ُالله بَينَنا وآمنَّا بهذه المحّبة (1يوحنّا11،4).
أيتها الشابات… يا أيها الشباب، يا رجاءَ الكنيسةِ وفرحَها …إنَّ حماسكم وفرحَكم في إعلانِ اسمِ الربِّ يسوعَ المسيح، يعكسُ فرَحَ الملائكةِ في السماءِ حولَ عرشِ النِّعمةِ الإلهية التي تغمرُنا اليومَ في هذا العيدِ المُبارَك، وتنبسطُ فوقَنا كخيمةٍ تُظَلِّلُنا وتُدخلُنا في كرامةِ الأبناءِ الذين في بيتِ أبيهم، يعيشون الفرحَ معه إذ تجلَّى بمجدِه عليهِم وبينَهُم ولهُم.
+++ أيتها الرسولاتُ المُبشِّراتُ و الرسلُ المُبشرين، يا ناقلي البشرى السارة بشرى الحياة، أنتم تعيشون وتعملون وتعلمون أنَّ “جوهرَ البشارةِ والتعليمِ هو الفرح“.. الفرحُ بحصادٍ بعد زَرْعٍ وتعبٍ وصبرٍ وانتظار … فرحُ الظَّفَرِ بصيدٍ وفيرٍ بعدَ ليلٍ من التَّعبِ والخيباتِ والآمال … لأنَّ الكنيسةَ صيَّادةٌ في أساسِها، فالربُّ أسَّسها على صيادينَ دَعاهُم، وأرسلَهم ليصطادوا المؤمنينَ، ويجمعوا بني الآب بشباكٍ من المَحبةِ لا تتمزقُ رَغمَ الكثرةِ، ولا تتقطَّعُ حبالُها رَغمَ الوَفرةِ.
“جوهرَ البشارةِ والتعليمِ هو الفرح“ لأنَّ الكنيسةَ رسالةٌ، ورسالتُها فَتْحُ القلبِ على أفقِ رَجاءٍ لا ينقطعُ ولا ينتهي ولا يُخيّب، وعلامةُ ذلك، هو الفرحُ الذي يرتسمُ في قلوبِ وعلى وجوهِ التلاميذ. فرحُ اللقاءِ بالله في الصلاةِ وفي العِلاقاتِ بينَ الاخوةِ والأخوات…فرحُ الخدمةِ والجهادِ، فرحُ العطاءِ والحبِّ الذي لا يَحدُّه شيءٌ، فرحُ المُواجهةِ في الصعوبات ـ وفرحُ الاستعدادِ في الامتحاناتِ المصيريةِ والتحدياتِ الوجودية.
وهنا يأتي السؤال: كيف نحيا الفرحَ في الرسالةِ/البُشرى رَغمَ الظروفِ التي نَمُرُّ بها؟ وأمامَ التحدِّياتِ التي نُواجهُها؟
الجواب ُ ليسَ من قدرةِ لحمٍ ودمٍ بل من اللهِ يأتي، ليسَ من طرائقَ نَتَّبعُها بل من مسيرةٍ نسيرُها، فعندما نحملُ في قلوبِنا شخصَ يسوعَ المسيحِ، اللهَ الذي صارَ بشراً وسكنَ بيننا، نكتشفُ فرَحَنا بأنَّ اللهَ معنا/عمانوئيل، وعندما نعيشُ محطاتِ اللقاءِ الشخصيِّ مع يسوعَ رجائِنا، ونسمعُه يقولُ لنا: ليتمّ فرحي فيكم …نُدرِكُ ماهيَّة هذا الفرحِ الذي لا يُدانيهِ فَرحٌ، وهذا ما يقدمُه لنا اليوبيلُ كمحطةِ لقاءٍ ووقفةِ تَأمُّلٍ في الطريقِ .. في الحَجِّ … في أن نكونَ (حُجاجَ الرجاءِ لأجلِ عالمٍ أفضل).
+++ اليوبيلُ فرصةٌ لِنكتشفَ فيها من جديد الربَّ يسوعَ المسيح يُنبوعَ كلِّ جَديد.
+++ اليوبيلُ هو الزمنُ الذي نحتفلُ فيه بالكنزِ الذي وَجدْناهُ فندعوَ جيرانَنا وأقاربَنا وأصدقاءَنا لأنَّ الفرحَ لا معنى له في العزلةِ والانفرادِ، بل بالانفتاحِ والمُشاركةِ والمُرافقةِ …”لِنسِرْ معاً بفرح”… إنْ لم نشعرْ بهذا الفرحِ فلأننا لم نلتقِ بيسوعَ بَعدُ، لذلكَ أدعوكم أيُّها الشبابُ إلى أن تُجدِّدوا لقاءَكم بيسوعَ لِتجدوا الفرحَ.
خُذوا الوقتَ الكافي الشافي في الصَّلاةِ، في صلاةِ القلبِ، في تردادِ اسمِ يسوعَ المسيحِ دونَ خَجَلٍ ولا تردد. عليكم أن تفتخِروا بأنَّكم تلاميذُه فيتجلَّى لكم، أنَّهُ الرفيقُ وأنّهُ الصَّديقُ وأنَّهُ الفرح.
+++ دَعوتُنا هي أولاً للصلاةِ وللشكرِ وللتَّهليلِ. فــ “في الصلاةِ نُبقي شُعلةَ الرَّجاءِ مُتَّقدةً “….
اللهُ يقبلُنا كما نحن، هذا الموقفُ يجب أن تعلمَوه بيقينٍ لأنَّنا أبناؤه المَحبوبون. إنَّهُ ينتظِرُنا في الوسَط ..في قلبِ هذا الزمنِ الصَّعبِ والأزمةِ المُتعبةِ بين النَّاسِ المُحطَّمين… دعوتُنا هي أن نكونَ حبلَ التَّعزيةِ الذي ينتشلُ كلَّ إنسانٍ سقطَ في الخطيئةِ .. نعيشُ النَّورَ وسَطَ الظُّلمةِ، ونشهدُ للفرح حيثُ الحزنِ و للرجاءِ حيثُ اليأسِ ، بحسبِ ما يُطالِبُنا القديسُ بولسُ الرسولُ إذ يقولُ لنا ولكم: “كونوا في الرجاء فرحين” روم١٢/١٢.
+++ نحنُ مَدعوونَ لِأنْ نكونَ جوابَ اللهِ لِمَن هُم حَولَنا، أنتم جُسورُ الرَّجاءِ في الكنيسةِ، أنتم شهودُ حُبٍّ للحياة، وأفقُ مَشروعِ اللهِ أي بناءِ ملكوتِ السماوات. إخلاصُكم أساسٌ متين وأمانتُكم كنزٌ ثمين، تشجَّعوا وثابروا لأنَّ البطولةَ التي تشهدونَ بها بالتزامِكم وبطاعتِكم لِربِّنا وللكنيسةِ في رسالةِ التعليمِ المسيحي هي خَيارٌ وقرارٌ على قَدْرِ ما هي مَسؤوليةٌ كبيرةٌ مُلقاةٌ على عاتِقِكُم، ولكنْ … هل تساءلتم يوماً لماذا ماتَ ربُّنا يسوعُ المسيحُ عن عمرِ ثلاثةٍ وثلاثينَ ٣٣ عاماً؟
الجواب: لأنَّه أرادَ أن يُظهرَ أنَّ الله لا يشيخُ أبداً، لِيبقى في عيونِنا هذا الشابُّ المُتحمِّسُ والجبَّارُ، إنَّه الشابُّ الأجمل. ومن المُهمِّ أن تعلَموا أنَّ الكنيسةَ يَتجدَّدُ شبابُها بكم ومَعكم ولكم، الكنيسةُ تثِقُ بكم لأنَّكم مثالٌ وقدوة، تثقُ بأنكم في هذا العطاءِ وهذهِ الخِدمةِ تُؤَدُّونَ شهادةٌ لإيمانِكم ولرجائكُم، أنتم مُؤثِّرونَ جداً في مُستقبلِ الكنيسةِ وفي نفوسِ الأجيالِ.
+++ إنَّ السِّراجَ المُضاءَ الذي لا ينطفئْ هو رمزٌ للرجاءِ الذي لا يموت، لأنَّ نبعَهُ هو الانسانُ الذي يَحمِلُ في قلبِه اللهَ بالإيمانِ والحُبِّ الذي يدفعُه أن يُعطي ذاتَه وكلَّ ما لَه لأخيه الانسانِ دونَ شَرط ٍولا حِسابٍ. إنكم مُمتلئونَ بزيتِ الحُبِّ الذي يُنيرُ ظُلمةَ من أرهقتْهُم آلامُ هذا الدهرِ، تُضيئون أمامَهم لِيَرَوا أبعدَ من اللحظةِ فتتحولَ ظُلمتُهم والظُّلمُ الذي يُعانونَه إلى نورٍ ساطعٍ وفجرٍ جديد.
+++ تعالَوا نتأمَّلُ معاً في صورةِ مريمَ أمِّ الرَّجاءِ مع قداسةِ البابا فرنسيس حينَ يقولُ: [هذا كان رجاءُ سيّدتِنا مريم العذراء، التي بقيَتْ قويّةٌ عندَ صليبِ يسوعَ، واثقةٌ أنَّ ”الانتصارَ «كان قريبًا. مريمُ هي المرأةُ التي ترجو، إنّها أمُّ الرّجاءِ. على الجُلجُلةِ، “راجيةٌ على غيرِ رجاء” (رومة 4، 18)، لم تسمحْ لِيقينِ القيامةِ التي تنبّأَ بها ابنُها أنْ يَنطفئَ في قلبِها. هي التي مَلأتْ وتملأُ صمتَ سبتِ النّورِ بانتظارٍ مَليءٍ بالحُبّ والرّجاء، وتغرسُ في التّلاميذِ اليقينَ بأنَّ يسوعَ سينتصرُ على الموتِ، وأنَّ الشّرّ لن يكونَ الكلمةَ الأخيرة]، بل الانتصارُ للحقِّ وللقيامةِ وللحياة.
لِنطلبْ شفاعتَها عندَ ابنِها القائمِ الظافرِ لِيُرافقَنا في دربِ آلامِنا فنُدركَ القيامة، ونعيشَها في أدقِّ تفاصيلِ حياتِنا اليوميةِ ومسيرتِنا الإيمانية وفي خدمتِنا الرسولية.
+++الرّجاءُ المسيحيّ ليس إنكارًا للألمِ وللموتِ، بل هو احتفالٌ بمحبّةِ المسيحِ القائمِ من بينِ الأمواتِ وهو معنا دائمًا، حتّى ولو بدا لنا بعيدًا.“المسيحُ نفسُه هو نورُ رجائِنا العظيمِ ومُرشدُنا في الليلِ، لأنّهُ الكَوكَبُ الزَّاهِرُ في الصَّباح”(الإرشاد الرّسولي ما بعد السّينودس، المسيح يحيا، 33).
أخيراً باسمي وباسمِ صاحبِ السيادة المطرانِ عبدو عربش، أريدُ أنْ أُعبِّرَ عن شُكرِنا العميقِ والقلبي للجنةِ التعليمِ المسيحي في المنطقةِ الوسطى التي عادَتْ بهمةٍ و نشاطٍ بعد سنيِّ الغيابِ القَسري زمنَ الحربِ ، الشكرُ للهِ على انطلاقتِها من جديد ، و نشكرُها بشخصِ رئيسِها الأبِ غسان السهوي وبأشخاصِ كُلِّ أعضائِها مُكرّسينَ و عِلمانيين لأجلِ غيرتِهم الرسولية ، و لأجلِ الحُبِ والتعبِ الذي أرادوا أنْ يُعبِّروا عنه لنا جميعاً بتحقيقِ هذا اللقاءِ اليومَ بمناسبةِ عيدِ التعليمِ المسيحي في الشرقِ الأوسط ،هذه المناسبةُ العزيزةُ على قلوبِنا جميعاً كنيسة حمصَ و ما إليها بإكليروسِها وبعائلاتِها.
كلُّ عيدٍ للتعليمِ المسيحي وأنتم شهودٌ للحَقِّ والحقُّ يُحررُكم.
“لقد أحبَّنا“، «ولا شيءَ يستطيعُ أنْ يفصلَنا عن محبةِ المسيح» (راجع رومة 8، 73).
أنتم في صلاتِنا. هللويه.