أخبار فاتيكانيةنشاطات الرعايانشاطات المطراننشاطات المطرانية

كلمة المطران مار يوليان يعقوب مراد رئيس أساقفة حمص وحماه والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك خلال تسلّمه “جائزة القديس يوحنا بولس الثاني”

كلمة المطران مار يوليان يعقوب مراد رئيس أساقفة حمص وحماه والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك خلال تسلّمه “جائزة القديس يوحنا بولس الثاني”
صاحب السيادة الكاردينال بيترو بارولين، أمين سر دولة الفاتيكان،
صاحب السيادة الكاردينال كورت كوخ، رئيسُ المجلس الحبري لأجل الوحدة بين المسيحيين ورئيس لجنة تحكيم جائزة القديس يوحنا بولس الثاني،
حضرة المونسنيور باول بتاشنيك، رئيس مؤسسة الفاتيكان يوحنا بولس الثاني،
أصحاب السيادة الأجلاء، أيها الإخوة الكهنة والرهبان والراهبات،
أيها الإخوة والأخوات، أعضاء وأصدقاء المؤسسة، وأصدقاء من إيطاليا وألمانيا ودول الشرق الأوسط،
أود أولاً أن أعرب عن امتناني وصدق تقديري لتنظيم هذا الحدث الاستثنائي، وأن أشكر، من خلالكم، قداسة البابا لاوون الرابع عشر.
شكراً لكم على إخلاصكم لروح المؤسس، وشكراً جزيلاً على هذه الجائزة، التي تشكل دافعاً جديداً لمهمتنا في خدمة الكنيسة والتبشير. هذا التقدير من الكنيسة الكاثوليكية موّجه إلى العمل الروحي والاجتماعي والفكري الذي أنجزته الكنيسة في سوريا، بجميع مكوّناتها؛ الكنيسة التي خاضت، خلال السنوات الصعبة، معركة نبيلة على كامل الأراضي السورية. وأوّد أن أشير بشكل خاص إلى الشباب الذين عملوا في المجال الإنساني، إلى جانب الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات. وأنا أتسلّم هذه الجائزة نيابة عن كلّ هؤلاء الأشخاص.
وإلى جانب قيمتها الشخصية، أعتبر أن هذه الجائزة لها بعد مجتمعي وكنسي. فهي في الواقع جائزة مخصصة للكنيسة في سوريا. كما أنها تشكل علامة مهمّة للعلاقات المسكونية والحوار بين الأديان. ويعكس هذا الاختيار مسيرة الكنيسة في سوريا على مر القرون، وهي مسيرة تميّزت بالتزام عميق بالحوار مع المسلمين، وهو التزام متجذّر في تعاليم يسوع.
لقد أدركت الجماعة المسيحية في سوريا منذ نشأتها مهمّتها: أن تكون شاهدة حية لرسالة الخلاص. وقد أدركت أنها مدعوة إلى عيش المحبة والغفران والبحث عن الخير. كل هذا يترجم إلى ترحيب غير مشروط، واستقامة في العمل اليومي، وانفتاح صادق على التنوّع.
نحن ندرك الأصول المسيحية للعديد من المسلمين، الذين اعتنقوا الإسلام لأسباب مختلفة لن نتعمق فيها هنا. هذا الإدراك يدعونا إلى تجديد نظرتنا وإعادة اكتشاف الروابط التي توحدنا. اليوم أكثر من أي وقت مضى، في سوريا، المسيحيون والمسلمون مدعوون إلى الاعتراف بالروابط التي توّحدهم والعمل على تحسينها. تشترك تقاليدنا الدينية في الإيمان بقدسية الحياة وكرامة الإنسان. نحن نطمح إلى السلام مع جميع الرجال والنساء ذوي النوايا الحسنة. أوّد أن أؤكد مجددًا وبقوة أن البحث اللاهوتي والحوار بين الأديان والثقافات ليس خيارًا، بل ضرورة حيوية لعصرنا، ولا سيما بالنسبة لسوريا التي لا تزال تعاني من آثار الحرب.
تقع سوريا في قلب الشرق الأدنى، وتحتلّ مكانة أساسية في تاريخ وثقافة وحياة المنطقة بأسرها. تمثّل مدينة حمص، الواقعة في قلب سوريا، أكبر تنوّع مسيحي في الإقليم ومركزًا حيويًا للحياة الاجتماعية والثقافية والدينية في البلاد. هذان المكانان ليسا مركزيين من الناحية الجغرافية فحسب، بل هما أيضًا ضروريان رمزيًا لفهم هوية هذه الأرض وتاريخها وآمالها.
في هذه اللحظة، لا يسعني إلاّ أن أفكّر في المدينة الرمزية التي تقع على بعد خمسمائة كيلومتر منا: القدس/ أورشليم، التي لا تزال تصرخ بألمها في وجه الظلم والعنف غير المنطقي وغير المقبول.
لقد رسم يسوع طريق الصليب وحمل على عاتقه آلام العالم. بذبيحته، دفع ثمن خطايا البشرية، مقدّمًا الخلاص للجميع. في الشرق الأوسط، نعيش منذ سنوات حاملين صليب الألم والحرب والموت والدمار. نحمل صليب الفقر والجوع والعوز وألم الحرمان من حقوقنا الأساسية، وفي مقدمتها الحق في وطن.
اليوم، للأسف، يشعر الكثيرون منا بأنهم غرباء في بلدهم، بسبب الصراعات الدينية والسياسية والعرقية التي تغذيها القوى العظمى، والتي أعتبرها مسؤولة بشكل مباشر عمّا يحدث في المنطقة. إنّ غياب الآفاق الإيجابية والمتفائلة للمستقبل يدفع الكثير من الناس إلى الهجرة، بحثًا عن مكان يمكنهم العيش فيه بكرامة، وقبل كل شيء، بأمان.
بعد سنوات من المعاناة، تتقدّم سوريا بخطوات صغيرة نحو تغيير حقيقي. وهي بحاجة إلى التضامن والدعم الملموس، ليس فقط لتقاسم الموارد أو إبرام اتفاقات شكلية، بل أيضاً للمضي قدماً بقوة أكبر نحو مستقبل تسوده المصالحة والديمقراطية. في هذا السياق، يمكن للكنيسة الجامعة، أن تلعب دوراً هاماً من خلال مرافقة المجتمعات المحلية وتشجيعها على السير نحو الحرية والعدالة والتماسك الاجتماعي، مستقية ذلك من رسالة البابا يوحنا بولس الثاني.
ومع ذلك، نحن شعب مؤمن، وبالتالي شعب يملؤه الأمل: هذه هي شهادتنا للعالم. نريد أن تكون آمالنا الثابتة دعوة لتجديد الالتزام الدولي ببناء سلام حقيقي.
أشكر الله على كنيسته التي، من خلال رسالتها، تواصل الكفاح ضد كل أشكال الظلم والشر، لتصبح بذلك رمزًا بامتياز للرجاء المسيحي.
أشكر الكنيسة الكاثوليكية، ممثلة بالبابا لاوون الرابع عشر، ومؤسسة البابا يوحنا بولس الثاني على التزامهما المستمر بتعزيز مبادرات الحوار والمصالحة في خدمة السلام.
أهدي هذا الجائزة قبل كل شيء إلى الأب باولو دالوليو، رائد مسيرة ورسالة الحوار الجديد في سوريا، القائم على تعاليم الكنيسة الكاثوليكية، ورسول محبة المسيح للمسلمين.
كما أهديها إلى الجماعة الرهبانية في دير مار موسى التي، منذ تأسيسها عام 1991، تواصل رسالتها في الضيافة واستقبال الجميع باسم المسيح، ولا سيما المسلمين، من خلال تنظيم لقاءات منتظمة للحوار اللاهوتي والإنساني والثقافي، من أجل بناء جسور التفاهم وإحياء شعلة الإيمان في قلوب المؤمنين.
أخيرًا، أهدي هذه الجائزة إلى كنيسة حمص، ولا سيما إلى الشباب، شهود الأمل، الذين يلتزمون بسخاء بالرسالة الإنسانية تجاه جميع إخوتهم، دون تمييز أو تفرقة.
هذا التقدير يشجعنا على مواصلة مسيرتنا، مستلهمين من كاريزما القديس يوحنا بولس الثاني، لتعزيز حضارة الحب والسلام.
ليملأكم الله القدير بنعمه وبركاته!
شكراً لكم على الإصغاء: إن اهتمامكم هو بالنسبة لي علامة ملموسة على التضامن والتواصل الأخوي.
† المطران يوليان جاك مراد
رئيس أساقفة حمص وحماة ونقطة للكاثوليك السريان