غير مصنف
تأمل الأب ربيع الخباز كاهن رعية سيدة النجاة -زيدل يوم الجمعة العظيمة

باركنا يا باراباس! تأمل الأب ربيع الخباز كاهن رعية سيدة النجاة -زيدل يوم الجمعة العظيمة
تعود بنا الذاكرة في هذا الحدث العظيم يوم صلب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح على خشبة العار، ما بين لصين شريرين.
والأحداث التي دارت ما بين عشاء العلية الأخير ووضع جسد الرب في القبر، إلى وضع جسد الرب في المغارة يوم الميلاد، وتدفعنا هذه الأحداث المتتالية إلى ربط موضوع سّرّ الفداء، بسرّ التجسد العظيمين وخير دليلٍ على ذلك تأملات الآباء… وربطهم عتمة القبر بعتمة المغارة.
واستلقاء الجسد على المذود ملفوفاً بالأقماط، باستلقاء الجسد في القبر ملفوفاً بالأكفان.
وشخص يوسف الصديق المنذهل من حدث الولادة العجيب، بشخص يوسف الرامي الصديق المنذهل من موت ابن الله البار على الصليب.
ووجه العذراء الحائر في الولادة بوجه العذراء المكلوم عند أقدام الصليب…
هذا مما دفعني للتأمّل جليّاً، ومراجعة القراءات الكتابية في العهدين العتيق منهما والجديد، للوقوف أمام هذه اللوحات البيبليّة المدهشة، والتي تدفعنا إلى الانعتاق من رُبُط الأفكار الدنيويّة، وتسمو بنا إلى التحليق عالياً في سماء الروح، مشاهدين ومبصرين عظمة الفادي في تجسده وفدائه الإلهيين لنا.
ومن بين تلك التأملات والقراءات لفتني كلمة “أبّا” أي الآب وتكرارها في محطات هذين السّرّين.
ففي التجسد نوّه وشدّد الرسول بولس بإلهام الروح في رسالته إلى أهل غلاطية على انعتاقنا من مرحلة العبودية إلى مرحلة حرية أبناء الله بتجسّد ابن الله الوحيد فيما بيننا واشراكنا بالبنوّة الإلهيّة بقوّة الروح الصارخ فينا (أبّا) أيها الآب (غلاطية 4: 6).
فنحنن أبناء (الأبّا) أي أبناء الآب.
ويرحل بنا كاتب الانجيل في سرّ الفداء “الفداء العظيم” إلى لوحة محاكمة يسوع في قصر بيلاطس والحلّ الذي ارتآه ذلك الحاكم الروماني ليخلّص ابن الآب يسوع الناصري من الموت المحتّم، فاقترح على طالبي صلبه بأن يُطلق لهم سجيناً بمناسبة الفصح الذي هو ذكرى انعتاق الشعب الاسرائيلي من عبوديّة فرعون. فكان جواب الشعب الموجَّه والملقَّن من كبار الكهنة أن أطلق لنا (بار أبّا) والذي تفسيره (ابن الآب)، وما (بارأبّا) هذا المنادى بإطلاق سراحه سوى صورة حقيقية لذلك الآدم الذي لا أب له سوى خالقه الآب.
فيكون آدم العتيق مجازاً ووجوباً. (بار أبّا)، الآب الذي جبله من الطين ونفخ فيه نسمة الحياة.
بسقوط آدم العتيق (بارأبّا) بدافع الكبرياء، فقد شرعية البنوّة وطُرِدَ من الفردوس الأعلى وصار خاضعاً لعبودية الخطيئة، ومحدودية الزمان والمكان، فقسى قلبه، وتكبّل بالشرائع والنواميس، والعادات والتقاليد، وابتعد كل البعد عن جوهر كيانه (خُلِق على صورة الله ومثاله).
جاء يسوع في سرّ التجسد مولوداً تحت الناموس وتحت العادات والتقاليد وخاضعاً لأحكام الزمان والمكان منسحقاً من أجل آثامنا، مُساقاً إلى الذبح كالنعجة أمام جزّاره ولم يفتح فاه بكلمة، ليُشعل في قلوبنا ذلك الفتيل المنطَفِئ ، ويذكرنا ببنوة أبناء الله، ويُعيد آدم إلى جوهر كيانه…
وياللمفارقة العظيمة! ولذلك المشهد الانجيلي بأنّ يخيّر حاكم الأمم “بيلاطس”، شعب الله المختار، بين أن يُطلق لهم بار أبّا الحقيقي المولود من الآب حقيقة والمساوي له في الجوهر –المسيح-
وبين بار أبّا الخاطئ الغليظ القلب، الخاضع لعبودية الخطيئة (بار أبّا آدم).
وكانت المفاجأة أن شعب الله المختار والمبذول لأجله كل غالي ونفيس والذي نقشه الله على كفّ يده، أن اختار أن يُبقى على بار أبّا آدم العتيق في حياته، ويُصلب بار أبّا الحقيقي.
هنا يأتي تدخل الله الخلاصي لحياة شعبه “هكذا أحب الله العالم حتى أنّه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية”، فأبقى على بار أبّا العتيق وقدّم ابنه ووحيده (بار أبّا) الحقيقي فداء عنه. فكسر أبواب الجحيم ووطئ الموت بموته، ووهب الحياة، وفتح أبواب الفردوس، وأعاد آدم (بار أبّا) العتيق إلى عمق كيانه. ولم يدعه وحيداً بعد الصعود إلى السماء بل ما زال إلى يومنا الحاضر متحداً بناسوتنا مُوحداً إيانا بلاهوته في سرّ الافخارستيا العظيم.
فبدخول بار أبّا الحقيقي إلى جسد بار أبّا الطوّاق آدم (الافخارستيا)، طهره وقدسه وأعاده بالنعمة إلى صورته الحقيقية التي خُلِق عليها.