غير مصنف
“شجاعة التواضع” تأمل الأب اسكندر بديع الترك كاهن رعية حماه للسريان الكاثوليك

“شجاعة التواضع” تأمل الأب اسكندر بديع الترك كاهن رعية حماه للسريان الكاثوليك
الزمان : الخميس الأخير قبل الصلب .
المكان : علّية في أورشليم اختارها المعلّم .
المشهد : يسوع المعلّم و السيد يغسل أرجل تلاميذه .
الصدى : كلُّ خميس يسبق أي صليب … و في كلِّ مكان و أي مكان يمكن إعداده للمعلّم .. و لكن ليس أيّ معلّم .. و ليس كل معلّم يستطيع حقاً أن يغسل أرجل تلاميذه .
التقاط إشارة من فضاءات الروح : ” فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ الآنَ لاَ تَفْهَمُ مَا أَعْمَلُهُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ».( يو13: 7 )…”.
يا رب … أحاول أن أفهم.. ساعدني لكي أفهم كيف يملك مُعلمٌ و سيدٌ شجاعةَ أن يُخلي ذاته من هالةٍ قدسية لمعلم و من سلطةٍ أزلية لسيِّد دون أن يخسرهما ؟؟!! .. ساعدني لكي أدخل في عمق هذا السر لأفهم أنَّ فعل التواضع الذي تدعوني لأصنع على مثاله مع إخوتي يحتاج إرادة و قرار و نعمة ، فهل أنا قادر على اتخاذ قرار كهذا ؟ .
تواضعك يا معلّمي جُعل لقيام و سقوط كثيرين ، و ليكشف عن أفكار قلوب كثيرة .. انحناءة معلم قد يقابلها كبرياء يخرج من قلب تلميذ عبر ابتسامة انتصار زائف و زهوٍّ أجوف ؟!… و ربّما تتدفق ينابيع توبة عبر دمعة تنزل لتلاقي تلك الانحناءة العظيمة ؟!… و ربّما تُغلَقُ أبوابٌ من الخوف أمام هذا الفعل الكبير ؟! .. و ربّما تغفو قلوبٌ ظمأى للحنان في حضن هذه الانحناءة الوديعة .؟ .
تغسل رجليّ فقط ؟؟؟ ليتك تغسل كياني و حياتي و أفكاري و عواطفي … و لكنّك تريد أن تغسل أفعالي و أعمالي و مسيرتي التي تعبّر عما في داخلي .. تريد مسيرةً تصدر عن قلب بسيط ، وعن كيانٍ يتطهَّر، وعن أفكارٍ تتجلَى ، وعن حياة تنمو و تنضج بالحكمة و النعمة .
منديلُك يا سيدي يمسح أدران مسيرتي .. من أين لي هذا المنديل إن لم ألتقطه من يدك ، لأمسح و أسامح و أساعد و أخدم ؟؟؟؟ .
[ معلّمٌ يقوم بعمل خادم ليعمل الخادم عمل المعلّم ].. أنت تريدني ذاك الخادم الذي يعمل على مثال معلّمه … نعم يا سيدي و معلمي حتى الآن لم تفهم الأجيال ما صنعت لنا … حتى اللحظة تحاول أن تلج أعماق هذا الفعل السر .. و لكنني اليوم أرى نفسي أمام السؤال الكبير : هل أملك الشجاعة القادرة على هذا الفعل ؟ … الكبرياء لا يحتاج شجاعة ، لأنَّ الشجاع يواجه نفسه و كل خطر على نفسه أو على من يحب ، أمّا المتكبر فيختبئ خلف أسوار خادعة من سلطةٍ و مالٍ و موقعٍ ، مع أنّه يعترف في قرارة روحه أنّها حصون آيلة للسقوط … الشجاع يعبُرُ إلى الشاطئ الآخر دون خوف ، و ينزل إلى العمق كحبّة حنطة لينمو بعد موت و يثمر حياة … فهل أنا مستعد لهذا الموت ؟ وهل أملك الثقة بأنّ موتي مع يسوع يعطيني حياة ؟ .. هَبني يا رب شجاعة التواضع فأغسل أقدام مَن اخترتني لخدمتهم .. استجبني يا سيدي .