تذكارات القديسيننشاطات المطرانية

9 شـباط: تـذكــار القـديس النـاسـك مـار مـارون ..

مار مارون: تناغم بين روحانيّة البساطة والعمق
بالرغم من أنّه اختار العيش في الظلّ بعيداً عن الضَوضاء والأضواء، إلاّ أنّه تحوّل الى نقطة استقطاب، فَتَحلّقَ حوله مَن عايَنَ حبّه ليسوع المسيح الذي كان محور حياته. هو الناسك القديس مارون، الّسوريّ الّسريانيّ الذي دمغ الحياة الرّهبانية في الشرق، بعد أن اختبر جوهر الحياة المسيحية القائمة على الاتحاد الدائم بالمسيح وعيش المحبة بعمقها.
المؤرخ تيودوريطُس، أسقُف قوروش، وصفه “بزينةَ القدّيسين الذي مارَسَ ضُروبَ التقشّفات والإماتات تحت السماء دون سقف سوى خيمة صغيرة لم يكن يستظلّها إلا نادراً. وكان هناك حيث تنسّكَ هيكل وثني قديم، فَكرّسه وخصّصه لعبادة الإله الواحد… يُحيي الليالي بذكر الله وإطالة الركوع والسجود والتأملات في الكمالات الإلهية. ثم ينصرف إلى الوعظ وإرشاد الزائرين وتعزية المُصابين… فذاعَ صيتُهُ في الآفاق كلها وتَقاطر إليه الناس من كل جانب. وكانوا جميعهم يعلمون أنّ ما اشتهر عنه من الفضائل والعجائب هو صحيح”.
شهادة أخرى أتت على لسان الملفان القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفَمّ، الذي كتبَ مِن مَنفاه رسالةً إلى مار مارون تَعود الى العام ٤٠٤ تُعبّر عن عمق احترامه وشوقه لَهُ ومكانته المرمُوقَة في الكنيسة:” نُحبّ أن تكون على يقين بأننا لا نَفتُر عن ذكرك أينما كُنّا لِما لكَ في ضميرنا من المَنزلة الرفيعة….”، “جُلَّ ما نسألك أن تُصلّي إلى الله من أجلنا”.
رحل مار مارون بهدوء حوالي العام ٤١٠، لكنّ روحانيّته دفعت تلاميذه الذين يحملون تُراثاً سريانيّاً رهبانيّاً إلى تأسيس كنيسة قائمة بذاتها متّحدة بالكنيسة الكاثوليكية، رغم الصعوبات والتحديات والاضطهادات، فأزهرت الكنيسة المارونية سلسلة من القديسين، وتركت بصمة ثقافية وروحية وإنسانية انتشرت في أصقاع الأرض.