أخبار الرعاياأخبار رعية القريتيننشاطات الرعايانشاطات المطراننشاطات المطرانية
عيـــد مـــار اليـــان الشــيخ الناســك شــفيع الأبرشــية في بلدة القريتين..

عيـــد مـــار اليـــان الشــيخ الناســك شــفيع الأبرشــية
في بلدة القريتين..
في أجواء مفعمة بالفرح والإيمان، توافد المؤمنون من مختلف رعايا أبرشية حمص وحماه والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك في حج روحي للمشاركة بالقداس الإلهي لمناسبة عيد شفيع الأبرشية مار إليان الشيخ الناسك..
فقد أُقيم صباح اليوم الثلاثاء 9 أيلول2025 القداس الإلهي في دير مار إليان في القريتين، ترأسه سيادة المطران مار يوليان يعقوب مراد، رئيس أساقفة حمص وحماه والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك، وبمشاركة سيادة المطران مار تيموثاوس متى الخوري، راعي أبرشية حمص وحماه وطرطوس للسريان الأرثوذكس، إلى جانب كهنة الأبرشيتين ورهبان جماعة الخليل الرهبانية، وكهنة قدموا خصيصاً من خارج سوريا..
من قلب القريتين، ومن دير مار اليان العريق رفع الحجاج صلواتهم إلى السماء من أجل الخير والسلام، وشفاء المرضى، وراحة نفوس الموتى ومن أجل بناء سوريا جديدة تقوم على العدل والوئام..
يُعدّ هذا الدير العريق، الذي صمد في وجه المحن، منارةً للإيمان وملتقى يجمع أبناء الوطن الواحد، مسلمين ومسيحيين، على درب المحبة الصادقة والاحترام المتبادل..
نورد لكم النص الكامل لكلمة راعي الأبرشية مار يوليان يعقوب مراد :
” كل عيد وأنتم بخير، والعيد لا يكون عيداً إلا بجمعة الأهل والأحباب وكل ذي إرادة طيبة من أهل الخير والايمان.
إننا أتينا اليوم معاً حجاجاً مترافقين مع صاحب السيادة مار ثيموتاوس متى الخوري رئيس أساقفة حمص وحماه وطرطوس للسريان الأورثوذكس، وآباء ابرشيتنا المكرَّمين وشمامستها، وجماعة الخليل الرهبانية في دير مار موسى الحبشي، والموكلة إليهم بشخص رئيسها الأب الراهب جهاد يوسف، ومؤمنين أتقياء من كافة قرى الأبرشية العامرة ومدينتي حمص وحماه، حاجين إلى هذا الدير العريق في القدم والعابق بالتاريخ والمعاني، التي تجعل منه مصدراً ليس فقط للروح والخلوة مع الله والتقرُّب إليه، إنَّما أيضاً مدرسة في الحياة والحب، وصناعة السلام الذي يبدأ من تقدير الانسان لأخيه الإنسان واحترامه، بغضّ النظر عن انتمائه وهويَّته وأصله وفصله، ومستواه الماديّ أو الثقافيّ، إذّ أنَّ بيوت الله في سوريا وأديرتها وكنائسها كلِّها، هي لكلِّ انسان مخلوق على صورة الله ويعكسها في مسلكه وحياته.
نحتفل اليوم بعيد ولي الله وقديسه مار اليان الشيخ الناسك الجليل الذي عاش حياة الزهد وترك الدنيا وملذاتها ليعظ في مسلكه وحياته لأولية الله وحبه فوق كل شيء. فذهب في خلوة كل حياته في المغاور والجبال المجاورة لمدينة الرها من أعمال سوريا سابقاً، والتي سمِّيت فيما بعد في القرن العشرين أورفه عندما أصبحت جزءاً من تركيا الحالية.
عاش مار اليان في القرن الرابع ميلادي في تلك المنطقة حيث ازدهرت الكنيسة، ولاقت الحياة الرهبانية هناك النور على يد مار اليان الذي يعتبر أحد أقطابها الأولين. ويكفينا فخراً أنه ألبس الإسكيم -الثوب- الرهباني لأحد أهم آباء كنيستنا السريانية ومعلمها القديس مار أفرام السرياني – عندما نقول السرياني نقصد به السوري- الذي ترك لنا إرثاً أدبياً وروحياً لا يقدر بثمن وبفضله عرفنا صفي الله وقديسنا مار اليان إذ ترك مار أفرام مجموعة من ٢٤ قصيدة في مديح مار اليان بعد وفاته خلالها سرد الكثير من المعلومات التي تخبرنا عن حياته وقداسته.
مما يعرف عن مار اليان هو حجه السنوي الذي يبدأ في الصوم الكبير منطلقاً من الرها شرقي الفرات عابراً النهر الكبير والبادية ليمرَّ في القريتين إلى دمشق فالجولان ليصل إلى القدس الشريف في أحد الشعانين ليحتفل بسر المسيح الفصحي أي ليرافق المسيح في آلامه وموته وقيامته المباركة، ثم يطفق عائداً إلى خلوته. أثناء ترحاله كان يمر في المدن والقرى فيأتي إليه الناس بمرضاهم وحزاناهم فيصلي عليهم فينالوا من الله بصلواته الشفاء والتعزية والشجاعة ليثبتوا في الايمان والحق.
لقد اختار مار اليان بحكمة إلهية أن يوارى جثمانه في هذه المنطقة من البادية السورية ليكون منارة لكل الوطن السوري وكل الشعب. إذ أنه بعد ما قدم تلاميذ له من مريديه، وبنوا الدير حول ضريح القديس ليستمدوا من قداسته قوة تعينهم في درب الرهبانية التي اتخذوها نهجاً لهم ورسالة فجعلوا من الدير محطة في الطريق للحجاج ينالوا من القديس الراقد هنا تعزية وبركة لهم في طريقهم، فكان الدير رسالة حبّ لكلِّ الناس دون تمييز، حتى أنَّه كان يوجد فوق باب الدير من الداخل حجراً كتب عليه توصية من أمير مسلم يوصي بحماية رهبان الدير وسكانه وكل من يدخل إليه. إنَّنا نجد في هذا الحجر الذي فقد قسم منه من جراء التعدي على الدير من قبل داعش في ٢٠١٥ شهادة تاريخية مهمَّة تعود إلى القرن الرابع عشر تخبرنا عن عمق العلاقة والاحترام المتبادل بين مكوِّنين هامَّين من المجتمع السوري والذي لا نزال نعيش أمينين له بسبب الايمان العميق الملتزم من قبل شعبنا مسلمين كانوا أم مسيحيين أو غيرهم.
لقد شهدنا في مدينتنا القريتين عبر التاريخ ولا سيما في السنين الأخيرة التي خلت كم أن هذا الدير عدَّ رمزاً للمواقف الإنسانية الصادقة، فقد حضن مبادئ الثورة منذ بدايتها، حيث استقبل العديد من سفراء الدول الذين زاروا الدير وأصغوا إلى مواقف بعض مفكري الثورة وملهميها والشعب، كما وقفت الكنيسة إلى جانب الكثير من النازحين من السوريين الذين هربوا من فتك النظام وإرهاب الدولة الإسلامية داعش. فكانت بيوت كل أهل القريتين ومدارسها والدير بيتاً لهم وجدوا فيه صدق الضيافة والاستقبال والاحتضان في كافة الأصعدة عمقت الروابط والإنسانية والروحية.
نقوم اليوم برحلة الحج هذه إلى دير فريد إذ إنه المكان الوحيد الذي نجد فيه ضريح قديس رقد في سنة ٣٦٧م. نسأل الله في هذا القداس الإلهي أن يعفو عنا لأننا كلُّنا أخطأنا عمداً أو سهواً تجاه كل إنسان لا سيما هنا في هذه المدينة التي دفعت ثمناً باهظاً لأنها حفظت الأمانة. كما ونسأله الشجاعة المستمدة من الحب ورحمة الله علينا، لنعفو نحن أيضاً عن كل من أساء إلينا وإلى قدسية هذه الأرض الطيبة وهذا الشعب النبيل. دون أن نتجاهل عدالة القانون للجميع والمستمدة من عدالة الله. على حسب قول الحكيم: «لا تترك الرحمة والأمانة، بل اعقدهما قلادة في عنقك، واكتبهما على لوح قلبك».
اليوم نريد في حجنا هذا أن نوجه نداءً إلى كل المعنيين في الداخل والخارج، نريد أن نعود إلى بيوتنا وحقولنا، إلى عاداتنا وتقاليدنا، إلى جذورنا وجيراننا، إنه لحق لكل إنسان بعد كل هذه السنين من التهجير القسري والترهيب والقهر والثمن الباهظ الذي دفعناه أن نستعيد كرامتنا في وطننا وأن نقول لكل من سلبنا حقنا بأن يعيده لنا من الخارج كان أم من الداخل. إنكم مدعوون لكي تزيلوا كل العقبات التي تعيق عودة النازحين إلى أراضيهم وبيوتهم ومجتمعاتهم التي فيها عاشوا وتثقفوا. في القريتين نحن بحاجة لإعادة إعمار بيوت المواطنين الأصليين. كما نحن بحاجة إلى إيجاد آليات جديدة للعيش بكرامة والعمل، منها إعادة تفعيل آبار قناص التي منها تروى كل أراضي واحة وادي العين التاريخية، يمكن أن يقول بعض الحضور وماذا يعني لنا هذا؟ أقول لكم إن من يحب وطنه عليه أن يهتم بكل شبر منه، من القامشلي إلى اللاذقية وطرطوس، إلى البوكمال، من إدلب وحلب إلى درعا والسويداء، والقريتين هي بوابة البادية التي هي قلب سوريا لذلك علينا جميعاً الاهتمام بها اهتمامنا بالقلب أي بالحب. وعندما أقول القريتين فأقصد مهين وحوارين إلى صدد والحفر، هذا الاهتمام يجب أن يتوجه أولاً نحو الجوانب الحساسة والأساسية في الحياة كالطب والتعليم.
فأتوجه إلى كل أبناء القريتين الذين يعملون في حقل الطب والتمريض والتعليم، إذ نعلم كم يحبوا بلدتهم بأن يترجموا هذا الحب بالعودة لها للمشاركة في نهضتها إلى جانب كل أصحاب رؤوس الأموال كي يتجندوا معاً ليساهموا في تحقيق ما يجب تحقيقه من أعمال هامة على صعيد المنطقة، كما سمعنا من الحكيم «أكرم الرب من مالك ومن بواكير غلاتك».
وأريد أن أغتنم الفرصة لأعلن لكم اليوم بأن سيارة مستشفى متنقل قد وصل إلى ميناء اللاذقية قبل يومان فقط وقريباً إن شاء الله يوف يوضع بخدمة أهالي منطقة البادية من صدد ومهين وحوارين والقريتين، مع برنامج متواصل أسبوعياً للمعاينات المجانية بالتعاون مع المراكز الطبية المتواجدة في المنطقة بإشراف مديرية صحة حمص.
أريد أن أرفع الدعاء والصلاة معاً لراحة أنفس كل من قضوا من كل أبناء شعبنا لا سيما ال ١٠٥ رجال الذين سفكت دماؤهم بلا ذنب من قبل إرهابيي داعش وغيرهم، ومن قتلوا على يد النظام المجرم إن في القصف على المدنيين وإن في السجون. وأدعو الله كي نخرج من دوامة العنف المستمرة حتى اليوم وأن نغلب القيم الأخلاقية السامية المستمدة من الإيمان والتي تدعو إلى سلام مبني على الغفران ونبذ كل أشكال العنف والانتقام، «اتق الرب وانصرف عن الشر»، لا طريق لبناء دولة حقيقية إلا في وحدة الشعب السوري بأكمله في كل مكوناته وانتماءاته الدينية والقومية. سوريا كانت وستبقى هذا البلد الذي يحتضن كل الحضارات والشعوب.
نشكر لكم جميعاً حجكم من أماكن بعيدة وقريبة لتعبروا عن تقواكم وإيمانكم وتعيدوا البهجة لحجارة هذا الدير العريق. فإني أقول لكم بأن مار اليان اليوم يفرح بلقائكم وزيارتكم ويرحب بكم لتنالوا من حضوره بركة لكم ولعائلاتكم فيشفي مرضاكم ويعزي الحزانى بينكم ويطلق سراح أسراكم وسجنائكم ويوفق أعزاءكم في غربتهم ويعيد كل مهجر ولاجئ إلى بيته وعائلته، ويرجع كل إنسان بعيد عن الله ويهديه إلى طريق الايمان والحقّ. ويرحم موتانا وموتاكم ويبارك زروعكم وغلاتكم ويعينكم فيما أنتم عليه من تحديات. ونعمة وبركة الله الآب والابن والروح القدس تكون معكم جميعاً إلى أبد الآبدين آمين.”